الفصام: الاضطراب النفسي الأكثر تعقيدًا

يُعد الفصام من أكثر الاضطرابات النفسية تعقيدًا وإثارة للجدل. فهو لا يعني كما يعتقد البعض “انقسام الشخصية” أو “تعددها”، بل هو اضطراب عقلي عميق يؤثر في التفكير والإدراك والعاطفة والسلوك. غالبًا ما يظهر في مرحلة المراهقة المتأخرة أو أوائل العشرينات، ويستمر مدى الحياة إذا لم تتم معالجته.
تشير التقديرات العالمية إلى أن نحو 1% من سكان العالم يعانون من الفصام، مع تباين في نسب الإصابة بحسب العوامل الوراثية والاجتماعية والبيئية.
أعراض الفصام
1- الأعراض الإيجابية (Positive Symptoms)
يطلق عليها “إيجابية” لأنها تُضاف إلى الخبرة الذهنية الطبيعية، أي أنها أعراض ظاهرة وغير مألوفة لدى الأصحاء:
الهلوسة (Hallucinations):
- الأكثر شيوعًا هي الهلوسات السمعية (سماع أصوات تأمره، تنتقده أو تحاوره).
- قد تكون بصرية (رؤية أشخاص أو أشياء غير موجودة).
- أحيانًا شمّية أو لمسية (شعور بوجود شيء يلمس الجسد أو روائح غريبة لا وجود لها).
- غالبًا تسبب قلقًا شديدًا وتجعل المريض يتصرف بناءً عليها.
الأوهام (Delusions):
- اضطهادية: اعتقاد بأن الآخرين يراقبونه أو يتآمرون ضده.
- عظمة: شعور المريض بأنه شخصية عظيمة أو يملك قدرات خارقة.
- تحكمية: اعتقاد أن قوى خارجية تتحكم في أفكاره أو جسده.
- مرجعية: تفسير الأحداث العادية (كالبرامج التلفزيونية) على أنها رسائل موجهة له شخصيًا.
اضطراب التفكير (Disorganized Thinking):
- كلام غير مترابط أو غير منطقي.
- الانتقال المفاجئ بين مواضيع غير مرتبطة.
- استخدام كلمات غريبة أو مخترعة.
- أحيانًا صعوبة في متابعة الحوار البسيط.
اضطراب السلوك (Disorganized Behavior):
- حركات غريبة، أو سلوكيات غير مناسبة للموقف.
- نوبات هياج مفاجئ أو سكون تام (قد يصل إلى الكاتاتونيا: الجمود الحركي أو تكرار حركات بلا معنى).
2- الأعراض السلبية (Negative Symptoms)
تُسمى “سلبية” لأنها تمثل فقدانًا أو انخفاضًا في القدرات الطبيعية:
فقدان الإرادة (Avolition):
- غياب الحافز للقيام بالأعمال اليومية البسيطة مثل الاستحمام، الأكل، أو الذهاب للعمل.
- إهمال الأنشطة الضرورية مثل عدم تحضير الطعام أو الأكل بانتظام.
فقر الكلام (Alogia):
- قلة الحديث أو الإجابة بكلمات مقتضبة.
- صعوبة في إنتاج كلام ذي معنى.
التسطح العاطفي (Flat Affect):
- وجه جامد بلا تعبيرات.
- صوت رتيب بلا انفعال.
- ضعف الاستجابة العاطفية في المواقف المختلفة.
الانعزال الاجتماعي:
- تجنب الاختلاط بالآخرين حتى الأقارب.
- فقدان الاهتمام بالعلاقات الإنسانية.
3- الأعراض المعرفية (Cognitive Symptoms)
تؤثر على التفكير المنطقي والقدرات الذهنية، وغالبًا ما تكون أقل وضوحًا من الأعراض الأخرى لكنها مفتاحية في تعطيل حياة المريض اليومية:
نقص الانتباه والتركيز:
- صعوبة متابعة المحادثات أو المحاضرات.
- سهولة التشتت عند وجود مؤثرات خارجية.
انهيار الذاكرة العاملة (Working Memory):
- صعوبة في تذكر المعلومات قصيرة المدى (مثل رقم هاتف أو تعليمات بسيطة).
- يؤثر ذلك على القدرة على إنجاز المهام المتتابعة.
ضعف التفكير التنفيذي (Executive Function):
- بطء في معالجة المعلومات.
- صعوبة في التخطيط واتخاذ القرارات.
- ضعف القدرة على حل المشكلات أو التكيف مع مواقف جديدة.
الارتباك العقلي:
- عدم القدرة على الربط بين الأفكار بشكل منطقي.
- أحيانًا فقدان التسلسل الزمني للأحداث.
أسباب وعوامل الفصام
1- العوامل البيولوجية
الوراثة والجينات:
- إذا كان أحد الوالدين مصابًا، ترتفع احتمالية إصابة الأبناء بنسبة 10–15%.
- إذا كان كلا الوالدين مصابين، قد تصل النسبة إلى 40–50%.
- التوائم المتطابقة: نسبة التوافق قد تبلغ 40–50%، مما يؤكد الدور الجيني القوي.
- دراسات حديثة اكتشفت وجود جينات مرتبطة بالناقل العصبي الدوبامين ترفع القابلية للإصابة.
كيمياء الدماغ:
- زيادة نشاط الدوبامين في مناطق معينة (مثل المسار الميزوليمبي) يؤدي إلى الهلوسات والأوهام.
- نقص نشاط الغلوتامات في القشرة الدماغية يرتبط بضعف التفكير والذاكرة.
- تفاعل غير متوازن بين السيروتونين والدوبامين يؤثر على المزاج والسلوك.
البنية الدماغية (تصوير الدماغ أظهر):
- تضخم البطينات الدماغية.
- ترقق قشرة الفص الجبهي (المسؤول عن التخطيط واتخاذ القرار).
- اضطراب في ترابط المناطق المسؤولة عن العاطفة والإدراك (الحُصين – Amygdala – Prefrontal cortex).
عوامل النمو المبكر:
- نقص الأكسجين أثناء الولادة أو مضاعفات الحمل (مثل العدوى الفيروسية للأم).
- انخفاض الوزن عند الولادة.
- تعرض الجنين لمواد سامة (كالتدخين أو سوء التغذية).
2- العوامل النفسية والشخصية
الضغوط النفسية المبكرة:
- التعرض لسوء المعاملة في الطفولة (إهمال، عنف جسدي أو جنسي).
- فقدان أحد الوالدين في سن مبكرة.
الصدمات العاطفية:
- التعرض لأحداث صادمة قوية قد يسرّع ظهور الأعراض عند الأشخاص ذوي الاستعداد الوراثي.
- الحزن الشديد يؤدي إلى الخروج من الواقع.
- الميل للانسحاب والإنكار في المواقف الصعبة بدلًا من المواجهة والتكيف.
نمط الشخصية:
- بعض الدراسات تشير إلى أن الأشخاص ذوي الميل للعزلة أو الانطوائية قد يكونون أكثر عرضة.
- ضعف المرونة النفسية وصعوبة التكيف مع المواقف الضاغطة.
3- العوامل الاجتماعية والبيئية
العزلة الاجتماعية:
- قلة الدعم الاجتماعي تزيد من شدة الأعراض وطول فترات الانتكاس.
- طول الابتعاد عن الناس يؤدي بالنهاية إلى استبدالهم بالحديث مع النفس.
الفقر والبطالة:
- الأوضاع الاقتصادية الصعبة تضغط على المريض وتفاقم الأعراض.
- تداخل العلاقة بين “الفقر كسبب” و”الفقر كنتيجة للمرض” (لأن المصاب غالبًا يفقد عمله).
المخدرات والكحول:
- تعاطي القنب (الحشيش) في سن المراهقة يزيد خطر الفصام خصوصًا لدى ذوي الاستعداد الوراثي.
- الأمفيتامينات والمنشطات قد تثير أعراضًا ذهانية مشابهة.
4- السياق الخاص بالشرق أوسطي
الحروب والنزاعات:
- الصدمات الناتجة عن العنف والنزوح تزيد من معدلات الاضطرابات الذهانية.
- الأطفال في مناطق النزاع معرضون أكثر للإصابة لاحقًا.
اللجوء والتهجير:
- فقدان الوطن، البطالة، العزلة الثقافية، كلها تضاعف الضغوط النفسية.
- الخروج الى بيئات جديدة كليًا تؤثر بالسلب على الحالة النفسية.
الوصمة الاجتماعية:
- في كثير من المجتمعات العربية، ينظر للفصام على أنه “جنون” أو “ضعف إيمان”، مما يمنع المرضى من طلب العلاج المبكر.
- نقص عدد الأطباء النفسيين ومراكز العلاج يزيد من تأخر التشخيص والعلاج.
علاج الفصام
1- العلاج الدوائي (Pharmacotherapy)
أ- مضادات الذهان التقليدية (Typical/First Generation Antipsychotics):
- مثل: هالوبيريدول (Haloperidol)، كلوربرومازين (Chlorpromazine).
- فعالة بشكل خاص ضد الأعراض الإيجابية (الهلوسات، الأوهام).
- آثار جانبية: أعراض خارج هرمية (تشنجات، رجفان، تيبس عضلي).
ب- مضادات الذهان غير التقليدية (Atypical/Second Generation Antipsychotics):
- مثل: ريسبيريدون (Risperidone)، أولانزابين (Olanzapine)، كويتيابين (Quetiapine)، كلوزابين (Clozapine).
- فعالة للأعراض الإيجابية والسلبية بدرجات متفاوتة.
- أقل تسببًا بالأعراض الحركية، لكن قد تسبب زيادة الوزن أو اضطراب التمثيل الغذائي.
- كلوزابين يستخدم في الحالات المقاومة للعلاج، لكنه يتطلب متابعة دورية لصورة الدم (لخطر ندرة الكريات البيض agranulocytosis).
ج- معلومات مهمة:
- العلاج الدوائي لا يشفي المرض لكنه يسيطر على الأعراض ويمنع الانتكاس.
- غالبًا يحتاج المريض للعلاج مدى الحياة.
- الالتزام بالجرعات أهم عامل لنجاح العلاج، لذا يُستخدم أحيانًا العلاج طويل المفعول (Long-acting injections) لضمان الاستمرارية.
2- العلاج النفسي والاجتماعي (Psychosocial Interventions)
أ- العلاج السلوكي المعرفي (CBT for psychosis):
- يساعد المريض على إعادة تفسير أفكاره المضللة والهلوسات.
- يخفف من القلق الناتج عن الأصوات أو الأوهام.
- يدرّب المريض على استراتيجيات للتعامل مع التوتر.
ب- العلاج الأسري (Family Therapy):
- يهدف إلى تقليل “النقد المفرط أو التوتر” داخل الأسرة (Expressed Emotion).
- يدرّب الأهل على تقديم الدعم دون إثقال المريض باللوم.
ج- إعادة التأهيل الاجتماعي والمهني:
- برامج تدريب على المهارات الحياتية (التسوق، إدارة المال، التواصل).
- دعم لإيجاد عمل يتناسب مع قدرات المريض.
- مجموعات الدعم النفسي والاجتماعي لزيادة الاندماج بالمجتمع.
د- العلاج بالفن والأنشطة (Art/Occupational Therapy):
- يساعد المريض على التعبير عن نفسه بطرق غير لفظية.
- يعزز الإحساس بالإنجاز والهوية.
3- الرعاية المستمرة (Continuous Care)
أ- المتابعة الطبية طويلة الأمد:
- لأن الفصام مرض مزمن، يحتاج المريض لمتابعة دورية (شهرية أو فصلية).
- تعديلات الأدوية حسب شدة الأعراض وآثارها الجانبية.
ب- الوقاية من الانتكاس:
- الانتكاسات تحدث غالبًا عند التوقف عن الدواء.
- دعم الأسرة والأطباء ضروري لضمان الالتزام.
ج- الخدمات المجتمعية:
- الخدمات المجتمعية:
- وحدات رعاية مجتمعية (Community Mental Health Teams) لتقديم المساعدة في المنزل.
- خطط فردية للطوارئ إذا ظهرت بوادر انتكاس (مثل اضطراب النوم أو زيادة الشكوك).
الخاتمة
الفصام ليس مجرد اضطراب نفسي، بل هو تحدٍ صحي واجتماعي وإنساني يحتاج إلى وعي جماعي وتعاون بين الأطباء والأسر والمجتمعات.
الفهم الصحيح للمرض، والابتعاد عن الصور النمطية، والالتزام بالعلاج، تمثل الأسس الحقيقية لمساعدة المصابين على عيش حياة أكثر استقرارًا وكرامة.
ماذا يقدم موقع سيكولوجي بالعربي؟
يقدم علاج رسمي لجميع الاضطرابات النفسية او الامراض النفسية بأيدي مستشارين الموقع المختصين