من هو السيكوباثي: صفاته، اسبابه، علاجه

السيكوباثية هي نمط من الاضطرابات الشخصية يتميز بغياب التعاطف، البرود العاطفي، والسلوك الاندفاعي اتجاه الآخرين، مع ميل متكرر لانتهاك القوانين والأعراف الاجتماعية.
تُصنَّف السيكوباثية ضمن اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder) في التصنيف الأمريكي DSM-5، لكنها تُعتبر أكثر تحديدًا وتشددًا في معاييرها من الاضطراب الأوسع.
ظهر مصطلح “Psychopathy” في أواخر القرن التاسع عشر في الكتابات النفسية الأوروبية لوصف أشخاص يرتكبون سلوكيات خطيرة أو لا أخلاقية دون وجود مرض عقلي واضح.
لاحقًا، طوّر عالم النفس الكندي روبرت هير (Robert Hare) مقياسًا تشخيصيًا يُعرف بـ PCL-R (Psychopathy Checklist-Revised)، وهو المرجع الأساسي حاليًا لتقييم السيكوباثية سريريًا.
انتشار السيكوباثية في المجتمع العام
1.2% فقط من السكان يظهرون صفات تشخيصية واضحة للسيكوباثية عند القياس بـ “Psychopathy Checklist–Revised” (PCL-R) — وهو المعيار الذهبي في التشخيص. {1}
حيث تم اجراء تحليل منهجي شامل لـ 16 دراسة على أكثر من 11,000 شخص وجد أن متوسط انتشار السيكوباثية هو 4.5% في المجتمع العام، لكن حين يُستخدم PCL-R فقط، تنخفض النسبة إلى 1.2٪ {2}
يبنما في السجون والمجرمين، النسبة ترتفع بشكل كبير، بين 15% إلى 25% من السجناء يُصنفون ضمن نطاق السيكوباثية. {3}
وأما في بيئات العمل الاحترافية، خاصة على مستوى الإدارات العليا أو الشركات، فإن النسبة تصل تقريبًا إلى 3–4% من القياديين التنفيذيين. {4}
صفات الشخصية السيكوباثية
1- الصفات العاطفية والشخصية
- غياب التعاطف: عدم القدرة على فهم أو مشاركة مشاعر الآخرين، حتى في المواقف المؤثرة.
- السطحية العاطفية: مشاعرهم ضحلة وسريعة الزوال، ويبدون وكأنهم يقلّدون العاطفة.
- الكذب المرضي: اختلاق الأكاذيب باستمرار، حتى دون مبرر منطقي.
- السحر السطحي: قدرة على الإقناع والتأثير مؤقتًا لجذب أو خداع الآخرين.
- تضخم الذات: شعور مبالغ فيه بالأهمية والقيمة الشخصية.
- انعدام الندم أو الشعور بالذنب: حتى بعد التسبب بأذى جسيم.
- البرود العاطفي: عدم التأثر بالمآسي أو المواقف المؤلمة.
2- السلوكيات الاجتماعية والانحرافية
- الاندفاعية: التصرف بدون تخطيط أو التفكير في العواقب.
- انتهاك القوانين والأعراف: ارتكاب سلوكيات مخالفة للقوانين أو المعايير الاجتماعية باستمرار.
- عدم تحمّل المسؤولية: إلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف دائمًا.
- البحث عن الإثارة: الحاجة المستمرة لخوض المخاطر بسبب الملل السريع.
- سلوك استغلالي: استخدام الآخرين كأدوات لتحقيق أهداف شخصية.
- العدوانية الكامنة أو الظاهرة: الميل إلى السيطرة أو فرض القوة على الآخرين.
3- أسلوب التفكير والتعامل مع الآخرين
- التلاعب النفسي: مهارة عالية في استغلال نقاط ضعف الآخرين.
- التبرير المستمر: إيجاد مبررات عقلانية لأفعال خاطئة أو ضارة.
- انعدام القدرة على بناء علاقات حقيقية: العلاقات غالبًا سطحية وقصيرة المدى.
- رؤية الآخرين كأدوات: غياب أي قيمة إنسانية للآخرين خارج ما يقدمونه من منفعة.
- التقليل من شأن الآخرين: سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لإثبات التفوق.
4- الصفات المعرفية والعقلية
- الذكاء العملي المرتفع أحيانًا: قدرة على التخطيط والتلاعب في مواقف معقدة.
- التركيز على المكاسب الفورية: صعوبة التفكير في المدى البعيد إذا لم يخدم رغبات عاجلة.
- عدم الاكتراث للعواقب: حتى في حالات المخاطر الشديدة أو الخسائر الكبيرة.
أسباب تكوّن الشخصية السيكوباثية
1- العوامل الوراثية والبيولوجية
- وجود قابلية جينية تزيد من احتمال ظهور السمات السيكوباثية، خصوصًا في العائلات التي لديها تاريخ من الاضطرابات السلوكية أو الإجرامية.
- اختلافات في تركيبة ووظائف الدماغ، خاصة: اللوزة الدماغية وقشرة الفص الجبهي والحُصين
2- العوامل العصبية الكيميائية
- اضطراب في تنظيم الناقلات العصبية المسؤولة عن العاطفة والتحفيز
- الدوبامين: زيادة النشاط قد ترفع الحاجة للإثارة والمخاطرة.
- السيروتونين: انخفاضه يرتبط بزيادة العدوانية والاندفاعية.
- النورأدرينالين: اختلاله يؤثر على الاستجابة للتوتر والخطر.
3- العوامل البيئية والاجتماعية
- صدمات الطفولة: التعرض للعنف الجسدي أو النفسي أو الإهمال العاطفي في سن مبكرة.
- نقص الروابط العاطفية الآمنة مع الوالدين أو مقدمي الرعاية.
- النماذج السلبية: النمو في بيئة يتواجد فيها أشخاص منحرفون أو مجرمون كمصدر قدوة.
- تفكك الأسرة أو الاضطراب الأسري المزمن.
4- العوامل النفسية والتطورية
- ضعف تكوين التعاطف والقدرة على الشعور بالذنب خلال المراحل المبكرة من النمو.
- فشل في تطوير التحكم في الانفعالات أو احترام القواعد الاجتماعية.
- تعزيز السلوكيات العدوانية أو الاحتيالية منذ الطفولة، سواء بالقبول أو بعدم العقاب الكافي.
- الأبحاث الحديثة تؤكد أن السيكوباثية غالبًا نتيجة تفاعل معقّد بين العوامل الوراثية والبيئية، بحيث تزيد الجينات من القابلية، بينما تقوم البيئة بتفعيل أو كبح هذه القابلية.
- مثال: طفل لديه استعداد جيني، إذا نشأ في بيئة داعمة قد لا يطور سمات سيكوباثية، لكن إذا تعرض لإهمال أو إساءة، ترتفع احتمالية ظهور الاضطراب.
الفرق بين السيكوباثية والاعتلال الاجتماعي
1- المنشأ والأسباب
أ- السيكوباثي
- غالبًا ناتج عن عوامل بيولوجية أو وراثية، مثل الاختلافات في تكوين الدماغ (خاصة الفص الجبهي واللوزة الدماغية).
- بعض الدراسات تشير إلى وجود نشاط أقل في مناطق الدماغ المسؤولة عن التعاطف والتحكم في الانفعالات.
ب- السوسيوباثي (المعتل اجتماعيًا)
- يتطور غالبًا بسبب عوامل بيئية أو اجتماعية مثل الإهمال الأسري، العنف المنزلي، الفقر، أو الصدمات المبكرة في الطفولة.
- التأثير الأكبر يأتي من التربية والبيئة الاجتماعية أكثر من العامل الوراثي.
2- ضبط السلوك
أ- السيكوباثي
- أكثر قدرة على التخطيط وضبط النفس.
- جرائمه أو أفعاله المنحرفة غالبًا منظمة ومدروسة.
- يستطيع الاندماج اجتماعيًا وإخفاء نواياه لفترات طويلة.
ب- السوسيوباثي (المعتل اجتماعيًا)
- سلوكه أكثر فوضوية واندفاعًا.
- ردود فعله انفعالية وسريعة، مع فقدان السيطرة على الأعصاب.
- جرائمه أو مخالفاته غالبًا عشوائية وغير مخطط لها.
3- العلاقات الاجتماعية
أ- السيكوباثي
- علاقاته غالبًا سطحية ويستخدم الناس كأدوات لتحقيق أهدافه.
- يظهر سحرًا اجتماعيًا مصطنعًا لجذب الآخرين.
ب- السوسيوباثي (المعتل اجتماعيًا)
- يجد صعوبة أكبر في الاندماج اجتماعيًا أو الحفاظ على علاقات طويلة المدى.
- قد يشكّل روابط قوية مع قلة مختارة من الناس، لكن غالبًا مع من يشاركونه قيمه أو نمط حياته المنحرف.
4- طبيعة الانفعالات
أ- السيكوباثي
- بارد عاطفيًا، قليل أو معدوم الانفعال حتى في المواقف المثيرة للضغط.
- يفتقر إلى الشعور بالذنب أو الندم.
ب- السوسيوباثي (المعتل اجتماعيًا)
- أكثر عرضة لنوبات الغضب والانفعال المفاجئ.
- قد يشعر ببعض الندم أو التعاطف في مواقف نادرة، لكن ذلك لا يغيّر سلوكه طويل المدى.
5- التورط الإجرامي
أ- السيكوباثي
- يختار ضحاياه بعناية، ويخطط للجريمة بدقة.
- يمكن أن يظل غير مكتشف لفترات طويلة بفضل ذكائه الاجتماعي العالي.
ب- السوسيوباثي (المعتل اجتماعيًا)
- تورطه في الجريمة غالبًا يكون نتيجة موقف طارئ أو مشاجرة، وليس تخطيطًا طويل الأمد.
- أسلوبه يجعل اكتشافه أو القبض عليه أسهل.
هل يمكن علاج السيكوباثية؟
1- العلاج السلوكي المعرفي CBT
يهدف الى تعديل أنماط التفكير والسلوكيات المسببة للمشكلات.
وتعتمد الية عمله على: زيادة الوعي بعواقب الأفعال، تعليم ضبط الانفعالات، تطوير مهارات التفكير قبل التصرف.
2- برامج إعادة التأهيل السلوكي
تطبق غالبًا في السجون أو مراكز الإصلاح، حيث تشمل: التدريب على مهارات حل المشكلات وتعلم طرق تواصل غير عدوانية.
لكن قد يستخدم بعض السيكوباثيين هذه البرامج للتلاعب بالنظام أو تحسين صورتهم أمام القضاة دون تغيير حقيقي.
3- العلاجات الجماعية
قد تساعد في كشف أنماط التفكير المضطربة من خلال ردود أفعال الآخرين.
لكن مجددًا يمكن للشخص السيكوباثي ان يستغل المجموعة للتلاعب، لذلك تتطلب إشرافًا شديد الحزم.
4- التدخلات الدوائية
لا يوجد دواء يعالج السيكوباثية مباشرة، لكت يمكن استخدام أدوية لتقليل
- الاندفاعية (مثل بعض مثبتات المزاج)
- العدوانية (مثل SSRIs أو مضادات الذهان الخفيفة)
5- الأبحاث المستقبلية
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS): لاستهداف مناطق الدماغ المسؤولة عن التعاطف.
- التحفيز الكهربائي العميق (DBS): تجارب أولية لتحسين التحكم في السلوك.
- التدخلات الجينية: ما زالت في بداياتها وذات طابع تجريبي جدًا.
الخاتمة
السيكوباثية ليست مجرد “شخص شرير”، بل هي اضطراب معقد في الشخصية يجمع بين العجز العاطفي والسلوكيات الانتهازية أو الإجرامية، مدعومًا بعوامل بيولوجية وبيئية. فهم هذه السمات يساعدنا على حماية أنفسنا والتعامل مع هؤلاء الأشخاص بحذر ووعي.
ماذا يقدم موقع سيكولوجي بالعربي؟
يقدم علاج رسمي لجميع الاضطرابات النفسية او الامراض النفسية بأيدي مستشارين الموقع المختصين