سيكولوجي بالعربي

جميع أنواع مرض الذهان

صورة تعبر عن الذهان

الذهان (Psychosis) ليس مجرد مرض عابر في التفكير أو الإدراك، بل هو حالة عقلية معقدة تعكس انقطاعًا أو تشوهًا في صلة الفرد بالواقع. يتجلى ذلك في الهلوسات، حيث يدرك الشخص أصواتًا أو صورًا أو أحاسيس غير موجودة فعليًا، والأوهام، وهي معتقدات راسخة لا تستند إلى منطق أو دليل موضوعي، إضافة إلى اضطراب التفكير والسلوك الذي يجعل تواصل المريض وتعامله مع محيطه صعبًا ومشوَّهًا.

يُعتبر الذهان مظلة واسعة تضم عدة اضطرابات فرعية، بعضها مستقل كتشخيص قائم بذاته مثل الفصام (Schizophrenia)، وبعضها ثانوي يظهر نتيجة عوامل أخرى مثل تعاطي المخدرات، الاضطرابات المزاجية، أو الأمراض العصبية. هذه التعددية تجعل الذهان ظاهرة معقدة ذات أبعاد بيولوجية، نفسية، واجتماعية متشابكة.

وتبرز أهمية فهم الذهان ليس فقط لأجل التشخيص والعلاج، بل أيضًا من أجل تقليل الوصمة الاجتماعية المحيطة به، إذ أن التدخل المبكر والدعم الطبي والنفسي يمكن أن يغير بشكل جذري مسار المرض ويحسن نوعية حياة المريض وأسرته.

1- الاضطراب الذهاني الوجيز (Brief Psychotic Disorder)

أ- الأعراض:

  • ظهور مفاجئ لهلوسات أو أوهام.
  • اضطراب في السلوك (هياج، عدوانية أو انسحاب).
  • اضطراب في الكلام (قفز بين الأفكار أو كلام غير مترابط).
  • غالبًا مصحوب بارتباك وانفعال عاطفي شديد

ب- الأسباب:

  • ضغط نفسي شديد: مثل الكوارث الطبيعية، الحروب، وفاة شخص عزيز.
  • عوامل بيولوجية: استعداد وراثي لاضطرابات ذهانية.
  • خلل مؤقت في الناقلات العصبية (خصوصًا الدوبامين)

ج- الخطر على المريض:

  • قصير المدى: خطر الانتحار أو السلوك العدواني أثناء النوبة.
  • متوسط المدى: فقدان الوظائف أو انهيار العلاقات بسبب تصرفات غير متزنة.
  • طويل المدى: نسبة قليلة تتحول لاحقًا إلى اضطرابات مزمنة مثل الفصام.

د- طرق العلاج:

  • دوائي: مضادات الذهان قصيرة الأمد (مثل Risperidone أو Olanzapine).
  • نفسي: جلسات تهدئة ودعم نفسي-اجتماعي بعد الأزمة.
  • متابعة: مراقبة المريض لعدة أشهر لضمان عدم تكرار النوبة أو تحوّلها.

2- الاضطراب الوهمي (Delusional Disorder)

أ- الأعراض:

  • وجود وهم واحد أو أكثر (اضطهاد، غيرة، حب وهمي، عظمة).
  • لا توجد هلوسات بارزة.
  • التفكير والسلوك العام طبيعيان نسبيًا باستثناء موضوع الوهم.
  • قد يكون الشخص ناجحًا اجتماعيًا أو وظيفيًا لكن محوره الذهاني يطغى على سلوكه.

ب- الأسباب:

  • عوامل وراثية مثل تاريخ عائلي للذهانات.
  • خلل في مسارات الدوبامين والغلوتامات.
  • عزلة اجتماعية أو ثقافية.

ج- الخطر على المريض:

  • التصرف بناءً على الوهم (مثل مهاجمة “المتآمرين” أو مطاردة شخص يعتقد أنه يحبه).
  • تعطيل العلاقات الاجتماعية والوظيفية.

د- طرق العلاج:

  • دوائي: مضادات الذهان بجرعات منخفضة.
  • نفسي: العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لكسر قوة الوهم تدريجيًا.
  • أسري: تدريب الأسرة على تقبّل المريض ودعمه بدل مواجهته المباشرة.

3- الاضطراب الذهاني المشترك (Shared Psychotic Disorder)

أ- الأعراض:

  • شخصان أو أكثر يشاركون في وهم واحد (مثال: الاعتقاد بوجود شبكة تجسس سرية).
  • غالبًا يكون أحدهم “المصدر” (مريض ذهاني) والبقية “المتلَقّون”.
  • يظهر في أسر أو ثنائيات منعزلة اجتماعيًا.

ب- الأسباب:

  • وجود شخص “مهيمن” مصاب باضطراب ذهاني أساسي.
  • عزلة اجتماعية طويلة.
  • تبعية قوية بين الأفراد.

ج- الخطر على المريض:

  • تكوين “وهم جماعي” مستمر قد يؤدي إلى قرارات خطيرة.
  • إمكان حدوث سلوكيات عدوانية أو انتحارية جماعية.
  • خطر أن يصبح الأتباع ذهانيين حتى بعد فصلهم.

د- طرق العلاج:

  • فصل الأفراد عن بعضهم (الإجراء الأهم).
  • علاج الشخص الأساسي المضطرب دوائيًا.
  • جلسات نفسية للأفراد الآخرين لتصحيح الأفكار.

4- الذهان الناتج عن مواد (Substance-Induced Psychotic Disorder)

أ- الأعراض:

  • هلوسات (خصوصًا بصرية أو سمعية).
  • أوهام (عظمة، اضطهاد).
  • ارتباك شديد، قلق أو هياج.
  • فقدان الاستبصار (لا يدرك أن السبب مادة مخدرة).

ب- الأسباب:

  • تعاطي مواد مثل: الحشيش، الأمفيتامين، الكوكايين، الكحول.
  • انسحاب الكحول أو البنزوديازبينات.
  • خلل في مستقبلات الدوبامين والسيروتونين.

ج- الخطر على المريض:

  • خطر مباشر على النفس والآخرين أثناء النوبة (سلوك عدواني أو اندفاعي).
  • احتمال تطور إدمان مع ذهان مزمن.
  • تلف دماغي في حال التعاطي المزمن.

د- طرق العلاج:

  • إيقاف المادة المسببة.
  • مضادات الذهان مؤقتًا.
  • برامج علاج إدمان (سلوكي/دوائي).
  • متابعة طويلة المدى لاحتمال الانتكاس.

5- الذهان الناتج عن مرض عضوي (Organic Psychosis)

أ- الأعراض:

  • أوهام وهلوسات.
  • إدراك تدريجي للتدهور العقلي.
  • أعراض عصبية مثل: فقدان ذاكرة، تشنجات، تغير في الحركة أو اللغة.

ب- الأسباب:

  • أورام دماغ.
  • التهاب الدماغ.
  • صرع (خصوصًا الفص الصدغي).
  • أمراض تنكسية: ألزهايمر، باركنسون.

ج- الخطر على المريض:

  • الذهان قد يكون علامة مبكرة لمرض عصبي خطير.
  • تدهور مستمر في القدرات الإدراكية والذاكرة.
  • عبء كبير على الأسرة والمجتمع.

د- طرق العلاج:

  • علاج السبب العضوي (جراحة للورم، مضادات الصرع…).
  • مضادات الذهان بجرعات محسوبة.
  • تأهيل إدراكي/عصبي طويل المدى.

6- الذهان المرتبط باضطراب مزاجي

أ- الأعراض:

  • في الاكتئاب: أوهام الذنب، الفقر، المرض، العقاب.
  • في الهوس: أوهام العظمة، القدرات الخارقة، رسالات دينية أو سياسية.
  • الهلوسات أقل شيوعًا، وغالبًا مرتبطة بالمزاج.

ب- الأسباب:

  • خلل في الناقلات العصبية (سيروتونين، دوبامين).
  • عوامل وراثية قوية.
  • ضغوط حياتية أو صدمات.

ج- الخطر على المريض:

  • في الاكتئاب: خطر الانتحار بسبب الأوهام السلبية.
  • في الهوس: سلوك متهور أو خطير ماليًا واجتماعيًا.
  • احتمال الانتكاس إذا لم يعالج بشكل مستمر.

د- طرق العلاج:

  • مضادات الذهان + مضادات الاكتئاب (في حالة الاكتئاب).
  • مضادات الذهان + مثبتات المزاج (في حالة الهوس).
  • جلسات علاج نفسي، دعم أسري.
  • متابعة طويلة الأمد لتقليل الانتكاس.

الخاتمة

الذهان ليس مرضًا واحدًا بل طيف واسع من الحالات التي تتداخل فيها العوامل الوراثية، البيوكيميائية، والبيئية، لذى فإن التشخيص الدقيق مهم لتحديد العلاج الأنسب، إذ يختلف التعامل مع ذهان المخدرات عن الفصام أو ذهان الاكتئاب، حيث أن المشترك بينها جميعًا هو أن التدخل المبكر والعلاج الدوائي والنفسي يزيد فرص الاستقرار وتحسين جودة الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *