جميع أنواع اضطراب تعدد الشخصيات

تعدد الشخصيات أو ما يُعرف علميًا بـ اضطراب الهوية الانفصامي (Dissociative Identity Disorder – DID) هو أحد أشد وأندر الامراض النفسية الانفصالية تعقيدًا. يتميز بوجود هويتين أو أكثر تتعايش داخل نفس الفرد، بحيث تمتلك كل هوية (أو “شخصية بديلة”) سمات فريدة من العمر، والجنس، واللغة، والتفضيلات، والذكريات، وحتى الاستجابات الجسدية. هذه الشخصيات قد تتناوب على السيطرة، فتظهر إحداها بينما تختفي الأخرى مؤقتًا، مما يؤدي إلى فجوات في الوعي والذاكرة لا يستطيع المريض تفسيرها.
يُعتبر DID أكثر من مجرد تبدل في المزاج أو الأدوار النفسية؛ فهو انعكاس لآلية دفاعية نفسية عميقة الجذور، غالبًا ما تنشأ استجابةً لصدمات متكررة وشديدة في مرحلة الطفولة المبكرة. من أبرز هذه الصدمات: الاعتداء الجسدي، الاعتداء الجنسي، الإهمال المزمن، أو العيش في بيئة مليئة بالخوف وعدم الأمان. يقوم عقل الطفل – غير القادر على استيعاب المعاناة – بـ تجزئة هويته الأساسية إلى شخصيات متعددة، بحيث تحمل كل واحدة جزءًا من الألم أو الوظائف النفسية، مما يتيح له الاستمرار في الحياة.
على الرغم من ندرته (تقديرات الانتشار تتراوح بين 1–3% من عامة السكان، مع نسب أعلى لدى المرضى النفسيين المقيمين في المستشفيات)، إلا أن DID يعدّ من أكثر الاضطرابات إثارة للجدل والدراسة في علم النفس. فبينما يرى البعض أنه نتيجة صدمات حقيقية موثقة، يرى آخرون أنه قد يتأثر أيضًا بالعوامل الثقافية والإيحاء العلاجي.
1- التعدد الكلاسيكي (Classic DID)
يُعتبر الشكل الأكثر وضوحًا من اضطراب تعدد الشخصيات، حيث تظهر هويتان أو أكثر بشكل متمايز، مع فروق واضحة في العمر أو الجنس أو الأسلوب.
أ- الأعراض:
- تغيّر مفاجئ في نبرة الصوت أو طريقة الكلام.
- تصرفات مختلفة تمامًا حسب الشخصية المسيطرة.
- فقدان القدرة على تذكر أفعال حدثت تحت سيطرة شخصية أخرى.
- اضطرابات في النوم، كالمشي أثناء النوم أو الأحلام الحية.
ب- الأسباب:
- غالبًا نتيجة صدمات متكررة في الطفولة (مثل الإساءة الجسدية أو الجنسية).
- انفصال العقل عن الواقع كآلية دفاعية للحماية من الألم.
- عوامل وراثية قد تزيد الاستعداد للإصابة.
ج- طرق العلاج:
- العلاج النفسي الطويل المدى: هدفه دمج الشخصيات في هوية متكاملة.
- العلاج بالاستبصار (Insight-oriented Therapy): يساعد على فهم أصل الانقسام.
- العلاج الدوائي: مضادات اكتئاب أو قلق لمعالجة الأعراض المصاحبة.
2- التعدد الجزئي (Partial DID)
الشخصيات ليست منفصلة بالكامل، بل تظهر كأصوات أو أفكار داخلية، مع وعي نسبي بها.
أ- الأعراض:
- سماع “حوار داخلي” مستمر بين الشخصيات.
- إحساس بعدم الاتساق في الهوية، لكن دون فقدان كامل للسيطرة.
- اضطراب التركيز والشرود الذهني.
ب- الأسباب:
- تجارب صادمة أقل شدة من الحالات الكلاسيكية.
- ضعف القدرة على تنظيم المشاعر.
- بيئة أسرية متوترة أو غياب الدعم العاطفي.
ج- طرق العلاج:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): لتقوية التحكم الذاتي.
- التأمل واليقظة الذهنية (Mindfulness): لزيادة الوعي باللحظة الحالية.
- جلسات علاج جماعي لتقليل العزلة.
3- التعدد مع فقدان الذاكرة الانفصالي (DID with Dissociative Amnesia)
يرتبط بوجود فجوات كبيرة في الذاكرة عند الانتقال بين الشخصيات، وكأن الشخص “يفقد الزمن”.
أ- الأعراض:
- فجوات زمنية لا يستطيع المريض تفسيرها.
- العثور على أغراض أو أفعال قام بها ولا يتذكرها.
- صعوبة في استرجاع ذكريات الطفولة.
ب- الأسباب:
- صدمات نفسية شديدة متكررة منذ الطفولة.
- استخدام “فقدان الذاكرة” كآلية دفاعية لعزل الذكريات المؤلمة.
- نشاط غير طبيعي في مناطق الذاكرة بالدماغ (مثل الحُصين).
ج- طرق العلاج:
- العلاج بالذاكرة (Memory Work): محاولة استرجاع الأحداث بشكل آمن.
- العلاج المتمحور حول الصدمات (Trauma-focused Therapy).
- أحيانًا العلاج بالتنويم الإيحائي تحت إشراف متخصص.
4- التعدد مع اضطرابات مرضية أخرى
يظهر مع اضطرابات مثل الاكتئاب، اضطراب القلق، PTSD، أو اضطرابات الشخصية.
أ- الأعراض:
- تذبذب بين شخصيات مختلفة مع أعراض اكتئابية أو قلقية موازية.
- نوبات ذعر أو كوابيس مرتبطة بالصدمة.
- فقدان السيطرة الانفعالية.
ب- الأسباب:
- تداخل اضطرابات الطفولة المبكرة.
- الضغوط المستمرة مثل العنف الأسري أو الفقر المزمن.
- استعداد بيولوجي لاضطرابات القلق والاكتئاب.
ج- طرق العلاج:
- علاج مشترك: يجمع بين العلاج النفسي للتعدد وعلاج الاضطراب المرافق.
- أدوية مضادة للاكتئاب أو مثبتات المزاج.
- دعم اجتماعي وأسري لمنع تفاقم الأعراض.
5- تعدد الشخصيات الثانوية (Alter Personalities)
وجود شخصيات داخلية لها أدوار محددة، تعمل كنظام دفاعي منظم مثل: المدافع الذي يحمي من الخطر، أو الطفل الذي يمثل الألم وتصرفات الطفولية.
أ- الأعراض:
- ظهور سلوكيات مختلفة حسب الدور (حماية، لعب، عدوانية).
- تقلبات مفاجئة في الحالة العاطفية.
- أحيانًا سلوك عدواني تجاه الذات (عند ظهور احدى الشخصيات).
ب- الأسباب:
- الحاجة إلى تقسيم الوظائف النفسية لحماية “الهوية الأصلية”.
- تعرض الطفولة المستمر للإهمال أو الخطر.
ج- طرق العلاج:
- العلاج البنيوي (Structural Dissociation Therapy): لفهم وظيفة كل شخصية.
- تدريب المريض على التواصل الداخلي بين الشخصيات بدل الصراع.
- تدريجيًا العمل على دمج الشخصيات أو التعايش السلمي بينها.
6- اضطراب الهوية الانفصامية المتداخل مع الذهان (Psychotic-like DID)
الأصوات الداخلية (من الشخصيات) تظهر بوضوح شديد وكأنها هلوسات سمعية، لذلك قد يتم الخلط بينه وبين الفصام (Schizophrenia).
أ- الأعراض:
- سماع أصوات متعددة تتحاور أو تنتقد المريض.
- سلوكيات غريبة نتيجة استجابة لهذه الأصوات.
- فقدان ذاكرة أو تبدلات شخصية (على عكس الفصام حيث لا توجد فجوات ذاكرة).
- قلق واكتئاب متزامن.
- أعراض تشبه الذهان: أفكار ارتيابية، شعور بعدم واقعية العالم (Derealization).
ب- الأسباب:
- صدمات مبكرة مع قابلية بيولوجية للهلاوس.
- وجود استعداد وراثي للذهان، لكنه يظهر في إطار انفصامي وليس فصامي.
- عزلة اجتماعية طويلة المدى.
ج- طرق العلاج:
- العلاج التفريقي (Differential therapy) للتأكد من التشخيص الصحيح (DID vs Schizophrenia).
- العلاج النفسي الداعم لفهم الأصوات والتعامل معها.
- في بعض الحالات: مضادات الذهان (Antipsychotics) بجرعات منخفضة لتقليل شدة الأصوات، لكن مع التركيز على العلاج النفسي.
- العلاج المعرفي لتصحيح الأفكار المشوشة حول الأصوات.
الفرق الأساسي: المريض يدرك أن هذه الأصوات مرتبطة بهويته الداخلية، وليست كيانات خارجية أو مؤامرات.
الخاتمة
اضطراب تعدد الشخصيات ليس مجرد “ازدواجية” كما يُصور في الأفلام، بل هو استجابة نفسية معقدة لآلام وصدمات الطفولة.
التعامل معه يتطلب وعيًا عميقًا، وصبرًا طويلًا في العلاج النفسي، حيث يكون الهدف النهائي دمج الشخصيات المتعددة في هوية أكثر اتساقًا واستقرارًا، ومنح المريض فرصة لحياة طبيعية ومستقرة.
ماذا يقدم موقع سيكولوجي بالعربي؟
يقدم علاج رسمي لجميع الاضطرابات النفسية او الامراض النفسية بأيدي مستشارين الموقع المختصين